في شهر حزيران 2002 قررت حكومة اسرائيل اقامة الجدار الفاصل بهدف منع دخول الفلسطينيين الى اسرائيل دون رقابة. في معظم المناطق مركب الجدار من سياج الكتروني بنيت على طول طرفيه طرق معبدة، سياج شيك وانفاق. يصل معدل عرض الجدار الى حوالي ستين مترا. قرر جهاز الامن اقامة حائط بطول ستة حتى ثمانية امتار في عدة مناطق بدلا من الجدار.
يمر مسار الجدار في معظم اراضي الضفة الغربية وليس على طول الخط الاخضر. وفي المناطق التي اتنهت فيها اقامة الجدار تتجلى واضحة الاساءة الواسعة بحقوق الانسان للفلسطينيين الساكنين بمحاذاته. ان استمرار اقامة الجدار في عمق اراضي الضفة الغربية، كيفما قررت الحكومة في تشرين الاول 2003، سيؤدي الى اساءة اضافية بحقوق الانسان لمئات الآلاف من السكان.
ويعاني حاليا الفلسطينيين الساكنين بمحاذاة الجدار من قيود جديدة على الحركة والتنقل بالاضافة الى القيود الواسعة المفروضة عليهم منذ اندلاع انتفاضة الاقصى. ونتيجة لذلك، يستصعب آلآف الفلسطينيون في الوصول الى اراضيهم الزراعية وفي تسويق منتجاتهم الزراعية في باقي اراضي الضفة الغربية، اذ ان المناطق التي تم اقامة الجدار فيها تعتبر من اكثر المناطق الخصبة في الضفة الغربية وتعتبر الزراعة من اهم مصادر الرزق الاساسية في القرى والبلدات الواقعة فيها. ان الاساءة بالزراعة قد يؤدي الى تدهور الوضع الاقتصادي في الاراضي المحتلة بشكل بارز، ناهيك عن الوضع الصعب القائم. وبالتالي قد يؤدي الى تدهور الكثير من العائلات الى الفقر.
تسيء القيود على حرية الحركة والتنقل ايضا بحرية وصول السكان القرويين الى المستشفيات الموجودة في البلدان المجاورة. كما ويتضرر جهاز التعليم وذلك لأن الكثير من المدارس، خصوصا في القرى، تعتمد على المعلمين الذين يأتون من خارجها. بالاضافة، تمس هذه القيود بالعلاقات الاسرية والاجتماعية.
في بداية شهر تشرين الاول 2003 اعلن قائد المنطقة الوسطى المنطقة الواقعة بين الجدار الفاصل في شمال الضفة الغربية (مرحلة أ) والخط الاخضر كمنطقة عسكرية مغلقة بدون تقييد زمني. وعليه، فحسب الاوامر الجديدة على كل فلسطيني يبلغ ال- 12 وما فوق، والذي يسكن داخل الجيوب التي تشكلت داخل المنطقة المغلقة، الحصول على "تصريح ساكن ثابت" من الادارة المدنية من اجل الاستمرار في العيش داخل بيته. بالنسبة لباقي سكان الضفة الغربية فعليهم التزود بتصاريح خاصة من اجل الدخول الى المنطقة المغلقة.
على الرغم من ان اسرائيل قد اقامت بوابات على طول الجدار، عن طريقها يستطيع كل من بحوزته تصريح المرور، فمن التجارب الماضية يمكن الاشارة الى ان اسرائيل تستغل قدرتها في منع استصدار تصاريح للحركة والتنقل للسكان الفلسطينيين من اجل تحقيق اهداف مرفوضة، من ضمنها الضغط على السكان للتعاون مع اسرائيل او فرض عقاب جماعي على سكان بلدة معينة جراء هجوم نفذ ضد اسرائيليين. بالاضافة الى ذلك، فالحصول على تصاريح من الادارة المدنية لا يؤمن المرور عبر البوابات، اذ ان جميع التصاريح تلغى عند فرض "حصار محكم" على الاراضي المحتلة.
لقد تم تحديد مسار الجدار مع تجاهل تام تقريبا للاساءة الواسعة بحقوق الانسان للسكان الفلسطينيين. فقد تم تحديده حسب اعتبارات اجنبية لا تمت بصلة بأمن المواطنين الاسرائيليين. ان احد الاعتبارات المركزية كان شمل اكثر عدد ممكن من المستوطنات الواقعة غربي الجدار وذلك بهدف ضمها الى اسرائيل. اعتبار اضافي، والذي ادى بالاساس الى اقامة الجدار الفاصل داخل اراضي الضفة الغربية، كان الامتناع من دفع الثمن السياسي الذي ينطوي عليه الاعتراف بالخط الاخضر كخط الحدود لإسرائيل.
تعطي جميع ميزات الجدار الفاصل والاعتبارات التي ادت الى تحديد مساره انطباعا ان اسرائيل تتشبث مجددا بإدعاءات امنية من اجل خلق حقائق احادية الجانب على ارض الواقع، والتي بدورها ستؤثر على الترتيب المستقبلي الذي سيتفق عليه بين اسرائيل والفلسطينيين. لقد اتخذت اسرائيل في الماضي هذه السياسة وعللت مصادرة الاراضي لإقامة المستوطنات ب "حجج عسكرية طارئة" وزعمت ان الخطوة مجرد مؤقتة. وعليه، اصبحت المستوطنات واقع قائم. من الممكن ان يصبح الجدار الفاصل حقيقة قائمة ثابتة، كما حدث مع المستوطنات، تمكن اسرائيل مستقبليا من المطالبة في ضم اراضي اليها.
من حق اسرائيل ومن واجبها حماية مواطنيها من عمليات مستهدفة. ولكن، اقامة الجدار الفاصل كوسيلة لمنع العمليات التفجيرية داخل اسرائيل يعتبر الحل الاكثر تطرفا والاكثر اساءة بالسكان الفلسطينيين. لقد فضلت اسرائيل هذا الحل على طرق بديلة كانت امامها والتي تلحق اقل ضررا على السكان الفلسطينيين. وحتى إن تم قبول الادعاء انه لم يكن هنالك مناص من اقامة الجدار، فعلى اسرائيل اقامته على طول الخط الاخضر او داخل اراضيها.